السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جاء في حديث عمران بن حصين -رضي الله عنهما- أن رجلًا قال للنبي -عليه الصلاة والسلام-: (أَعُلِمَ أهل الجنة من أهل النار؟ فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: نعم، فقال الرجل: ففيم العمل؟ فقال -عليه الصلاة والسلام-: اعملوا فكل ميسر لما خلق له)
فإذن هذا الحديث يقرر فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الأمر قد فرغ منه، وقد عرف أهل الجنة من أهل النار، وسمعنا كلام الإمام الطحاوي في هذا، فقد علم أهل الجنة فلا يزاد فيهم، وكذا أهل النار أعاذنا الله من النار وأهلها، فهذا أمر قد فرغ منه، لكن لاحظوا الأجوبة النبوية السديدة الحكيمة، لما قال -عليه الصلاة والسلام-: (أنه قد علم أهل الجنة من أهل النار فقال رجل: ففيم العلم؟ فقال -عليه الصلاة والسلام-: كل ميسر لما خلق له) وفي رواية قال: (اعملوا)
إذًا أيها الإخوة الكرام، أيها المشاهدون أيتها المشاهدات علينا أن ننبه إلى أمر مهم، كون الأمر قد فرغ منه وقد علم أهل الجنة من أهل النار، هذا لا يعني ترك العمل أبدًا، بل هو -صلى الله عليه وسلم- حقق الأمرين، فقرر القدر -عليه الصلاة والسلام-، وأن الأمر قد فرغ منه وقد عرف أهل الجنة من أهل النار، لكن هذا لا يعني ترك العمل، وفي بعض الروايات: أن السائل هو سراقة بن مالك بن جعشم، ولما أخبره -عليه الصلاة والسلام- بأن الأمر قد فرغ منه، فقال سراقة: (أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟) يعني نتكل على كتابنا الذي في اللوح المحفوظ، فقال -عليه الصلاة والسلام-: (لا..) يعني لا تتكل على ما في اللوح المحفوظ، ثم قال: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له) قال -عليه الصلاة والسلام- في بعض الروايات: (فأهل السعادة ييسرون لعمل أهل السعادة، وأهل الشقاوة ييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ -عليه الصلاة والسلام-: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ﴿5﴾ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴿6﴾ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴿7﴾ وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى ﴿8﴾وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴿9﴾ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾ [الليل: 5- 10]،
فهذا أمر ينبغي أن نتنبه له، كوننا قررنا القدر، وأنه قد علم أهل الجنة من أهل النار -كما سمعنا الأحاديث الصحيحة- هذا لا يعني ترك العمل بل العكس، هذا يوجب الاجتهاد؛ لأن أهل السعادة ييسرون لعمل السعادة، وأهل الشقاوة ييسرون لعمل الشقاوة، ييسرون يعني يصيرون إلى عمل الشقاوة؛ ولهذا الصحابة -رضي الله عنهم- وهم أعلم الناس وأعمق الناس علمًا لما سمعوا أحاديث القدر كان بعضهم يقول: (ما كنت أشد اجتهادًا مني الآن) أما أن بعض المسلمين إذا سمعوا أحاديث القدر يعني أصابهم العيــــــ×××ــــبل والتقصير، ثم ركنوا إلى القدر هذا كلام مردود ترده النصوص، والمسألة واضحة،
يعني هذا المثل ما لو قلنا: إذا كان الله -تعالى- علم أن فلانًا سيولد له، سيحصل له ذرية، ما يأتي أحد شخص عاقل ويقول: ما دام أن فلان تصير له ذرية، إذن تأتيه ذرية، تزوج ولا ما تزوج، هذا حمق، ولا شخص يقول مثلًا: والله إذا كان علم الله -تعالى- أنه يأتيني ثمر، شخص من الزراع أو من الفلاحين يقول سيأتيني ثمر ويأتيني محصول، إذًا ما دام يأتيني ثمر ومحصول ويأتيني غلة، ما فيه داعي لأرض ولا بذر ولا تراب ولا ماء ولا شيء من هذه الأسباب، هذا لا يمكن، لا يمكن أن ينال الثمر إلا بهذه الأسباب، ولا يمكن أن تحصل الذرية إلا بهذا الزواج ونحوه، فهذا مما يذكر في هذا المقام.
ونؤكد على قضية فهم الصحابة، الصحابة منهم من شُهِدَ له بعينه بالجنة كالعشر -كما هو معلوم- ومع ذلك ما أحد من هؤلاء العشرة قال: والله ما دام أنه مشهود لي بالجنة على لسان الصادق المصدوق -عليه الصلاة والسلام- ترك العمل، بل كان الصحابة لاسيما العشرة -رضي الله عنهم- كانوا أعظم الناس اجتهادًا على في العبادة وحرصًا على فعل الطاعات والابتعاد عن المنهيات. هذا ما يتعلق بهذه العبارة.
هل الإنسان مسير أو مخير
الآن عرفنا الآن أنه -سبحانه وتعالى- قد علم كل شيء ومن ذلك أفعال العباد، كما مر بنا في مثل قوله تعالى: ﴿ وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾[الأحزاب: 40]، ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ ﴾ [الأنعام: 59]، بعدها قال -رحمه الله-: (وكل ميسر لما خُلِقَ له) لا حظ الأئمة يعتنون بالعبارات وبالألفاظ الشرعية الدينية، لا حظ هنا قال: (وكل ميسر لما خُلِقَ له) هذه العبارة هي التي سمعناها قبل قليل في حديث عمران بن حصين وفي غيره، أنه -صلى الله عليه وسلم- يقول: (وكل ميسر لما خُلِقَ له) وجاء مفسرًا في بعض الأحاديث: (أهل السعادة ييسرون) فلما يقول: (وكل ميسر لما خُلِقَ له) هذه العبارة التي ينبغي أن نعتي بها، الآن نجد في العبارات الدارجة دائمًا لما يأتي موضوع القدر ماذا يقول الناس؟ نسمع هذا السؤال الذي نسمعه صغارًا وكبارًا، يقول لك: الإنسان مسير ولا مخير؟ هذا ليست العبارات شرعية، و هذه عبارة توهم فسادًا، فلما يأتي شخص يقول لك: الإنسان مسير يعني توهم العبارة أن الإنسان مجبور وأنه مكره وليس له اختيار وليس له إرادة، هذا كلام فاسد، الواحد منا وكل شخص يعرف أنه يفعل الطاعة أو المعصية باختياره ومشيئته، ما أحد يجبره على ذلك، ولو أن الشخص أكره على معصية فالأصل أن الشخص إذا أكره على معصية فإنه لا إثم عليه ولا حرج.
أيضًا بعض الناس يقول لك: الإنسان ما هو مسير، لا.. مخير، فلما يقول لك: مخير، العبارة هذه توهم أنه مستقل بفعله وليس ثمة مشيئة لله -سبحانه وتعالى- تخضع هذا العبد أو فعله لمشيئته -عز وجل-، لا.. ليس الأمر كذلك، بل علينا أن نلتزم بالعبارات الشرعية الدينية، فالعبارات الشرعية الدينية نجد أنها عبارات جامعة ومسددة وعلينا أن نلتزم بها، فنقول كما قال -عليه الصلاة والسلام-: (وكل ميسر لما خُلِقَ له) فإذا كان الله -سبحانه وتعالى- قضى لفلان أنه من أهل السعادة، فإنه ييسر ويصير إلى عمل أهل السعادة، وإذا كان الله -تعالى- قضى على فلان بأنه من أهل الشقاوة ﴿ جَزَاءً وِفَاقًا ﴾ [النبأ: 26] وله الحكمة في ذلك، وهذا مقتضى عدله -سبحانه وتعالى- ﴿ وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 49] فهذا الرجل الذي كتب أن يكون من أهل الشقاوة هو أيضًا يصير إلى عمل أهل الشقاوة.
أما أن يأتي شخص يقول: أنا إذا كان الله -تعالى- كاتبني من أهل السعادة إذًا أنا من أهل السعادة فلا حاجة إلى أن أفعل واجبًا ولا أن أترك محرمًا، نقول: هذا كلام باطل، ترده النصوص وترده العقول الصحيحة والفِطر السليمة، فكونه يترك الواجب ويفعل المحرم هو الآن ما صار من أهل السعادة، أليس كذلك؟ بل صار من أهل الشقاوة، صار بذلك من أهل الشقاوة
انتهى قوله
إضافة
على كل مسلم أن يعلم أن القدر سر من أسرار الله تعالى .. فإذا خاض في علم القدر عليه أن يؤمن أن الله تعالى حرم الظلم على نفسه وجعله بين الناس محرما
وأنه تعالى قدّر الأمور وعرفها لكن أيضا جعلنا مخيّرين في اختيار ما نريده , فإن كان الله تعالى ظالما لنا .. فلماذا يقول لموسى عندما أرسله لدعوة فرعون (فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى) فإن كان الله تعالى كتب عليه الكفر فلماذا يعطيه القدرة ليختار !!
وعلينا كذلك أن نحذر وسوسات الشيطان في هذا الأمر .. فالشيطان للإنسان عدو مبين .. فإنه يختار ما يعي على عقل المسلم ليدخل به في طرقات الشك بدينه .. فليعلم إذن المسلم أن الله تعالى أعطاه عقلاً ليفهم هذا المسلم أن الله تعالى فوق العقل .. فلا يفكر بأشياء تفوق قدرته على فهمها ..
فإذا أراد أن يرتاح من البحث والتقصي في هذا الأمر عليه أن يؤمن أن الله تعالى لا يظلم الناس أبدا ولكن الناس أنفسهم يظلمون ..
google_protectAndRun("ads_core.google_render_ad", google_handleError, google_render_ad);